Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الوضع (درس9)
الوضع (درس9)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 9
التاريخ : 2008/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

في الوضع جهات عديدة تتحق الدراسآ والبحث:
الاُولى:
دلالة الألفاظ على المعاني ذاتية أم جعلية؟ وبناء على كونها جعلية فهل هي اختراعية أو لأجّل التناسب بين اللفظ والمعنى؟
الثانية: الوضع يتم على سبيل التعيّن أو التعيين أو كلاهما؟
الثالثة: ما هي حقيقة الوضع التي ينبغي أن تظهر في التعريف؟
الرابعة: ينبغي البحث في أقسام الوضع ثبوتاً وبيان بعض الموارد إثباتاً من حيث عمومية الوضع وخصوصيته.
الجهة الاُولى: لا ينبغي الإشكال في أنَّ دلالة الألفاظ على المعاني غير ذاتية، كما يُعرف ذلك بالوجدان، ولو كانت الدلالة تكوينية ما كان الجعل مؤثّراً بالوضع.
العالم والجاهل يفهمان الموضوع له، فالجميع يفهم الحقائق التكوينية من قبيل الجوع والعطش، ولا يحتاج ذلك إلى علم ولا يختلف فيه الجاهل عن العالم، لكن ذلك لا يصلح دليلاً للقول بتكوينية الدلالة، بل هي بالوضع.
ثمّ إنَّ الوضع اختراعي، أي اختراع الإنسان ووضعه لمعنًى ما ووضعه له، وليس الوضع من باب التناسب بين اللفظ والمعنى. بالطبع لا ننكر الأمر الأخير بالكامل، بل قد تكون موارد خاصة يكون الوضع فيها من هذا القبيل، لكن الكلام في أنَّ عامة الألفاظ لم توضع بناءً على تناسبٍ بين اللفظ والمعنى. هذاأوّلاً.
وثانياً: إذا كان الوضع على أساس من المناسبة، كيف أمكن للمعنى أن يكون له ثلاثة ألفاظ أو أربعة مثلاً؟
إنَّ (البشر) نفس (الإنسان) ونفس (الآدمي)، وكلها ذات معنًى واحد وحيثية متحدة لا كونها ذات معان وحيثيات مختلفة.
استدلّ بعض المحقّقين على كون الوضع بالمناسبة من باب أنَّ رفضها يلزم الترجيح بلا مرجح، لماذا اختير هذا اللفظ لهذا المعنى دون غيره؟
لكن هذا الاستدلال غير تام؛ باعتبار أنَّ الترجيح بلا مرجح في أفعال الإنسان الاختيارية محال، بل تحتاج إلى إرادة، والأخيرة تحتاج إلى التصديق بالفائدة ليكون الترجيح بمرجح، وإلاّ كان الترجيح بلا مرجح. وهذا ليس وحياً منزلاً، بل أمر تضمَّن سراً وهو عبارة عن حاجة الفعل الاختياري إلى التصديق بالفائدة، وإلاّ كان ترجيحاً بلا مرجح لا محالاً.
إذا أراد الإنسان عمل فعلِ كلّيٍّ كان التصديق بالفائدة الكلّية كافياً له، ولا يحتاج إلى إرادة في كلِّ فردٍ ولا التصديق بالفائدة في كلّ فرد.
إذا أراد شخص شرب الماء تصوّر في البداية شرب الماء، ثم صدّق بفائدة شرب الماء، وأقل فائدته هي رفع العطش، ثم جاء اختيار أحد الكؤوس المملوءة بالماء، على فرض أنَّ هناك عشرة كؤوس، فأي كأس يختار؟
في الجواب نقول: لا إشكال في الشرب من أي كأس أراد، ويرتفع بذلك العطش، والتصديق بفائدة الكلي كافٍ دون حاجة إلى التصديق بفائدة كلّ فرد فرد.
وعلى هذا لو كانت الأفراد متساوية من جميع الجهات لا يكون اختيار أحدها ترجيحاً بلا مرجح، إلاّ أن تكون الأفراد مختلفة كما لو كان أحد الكؤوس نظيفاً وكان الآخر وسخاً، أو كان الماء في أحدها عذباً وفي الآخر ملحاً اُجاجاً، فالحديث هنا يختلف عمّا نحن فيه.
وعلى ما تقدم نقول: الواضع كانت له إرادة وضع اللفظ للمعنى بشكل كلّيٍّ ولأجّل التفهيم والسهولة، وهذه الإرادة كافية، ويأتي دور اختيار الألفاظ، فهو حرٌّ في اختيار أيُّها شاء، فيضع لفظ (إنسان) للإنسان، ولفظ (حيوان) للحيوان، وهذا الأمر يتضمّن تصديقاً بالفائدة.
هذا يكفي في عملية الترجيح ولا يؤثر فيه الجهل بباقي الألفاظ، فإنَّ جهله يوجب ترجيحه اللألفاظ التي يعلمها.
وممّا نريد الإشارة إليه هنا باقتضاب هو عدم امتلاك الدليل على القول بوجود مناسبة بين اللفظ والمعنى، ولأجّل ألاَّ تحتاج إلى دليل نفينا المناسبة بين اللفظ والمعنى.
ثمّ لا يخفى أنَّ الوضع والاحتياج إليه من مدركات العقل، ويمكن أنْ يقال: إنّها من الاُمور الفطرية ككثير من الاُمور التي أدركها العقل وطوّرها الإنسان، من قبيل النار التي اكتشفها العقل، ثمّ سعى الإنسان في التحكّم بها وتطوير المواد الموجدة لها، وما شابه ذلك.
كذا الحال بالنسبة إلى الألفاظ، فقد تمسك بها في البداية لأجل تفهيم مقاصده وكانت أفضل وسيلة، فطوّرها ونمّاها. ورغم وجود آليات أُخرى كان بإمكان الإنسان أن يلجأ إليها، إلاّ أنها كانت ناقصة لا تفي بالمطلوب بالكامل، لذا لجأ إلى الألفاظ وترك ما عداها.
وبذلك، يظهر ضعف ما في كلام النائيني الذي جاء في كتاب (فرائد الاُصول) وهو تقريرات المرحوم بقلمه نفسه.
يقول النائيني: (لابدّ من انتهائه إلى الله تعالى بوجه، إمّا بوحي منه إلى نبي من أنبيائه، أو بإلهامه إلى البشر، أو بإيداع ذلك في طبائعهم بحيث يتكلمون ويبرزون المقاصد بالألفاظ بحسب فطرتهم حسب ما أودع الله في طبائعهم).
وضعف كلامه واضح، فنحن نعتقد بأن الله خلق فطرة الإنسان بشكل يمكنها الإدراك ولا حاجة للوحي أو الإلهام في ذلك، لكن الجملة الأخيرة من كلامه ـ أي إرجاع الأمر إلى فطرتهم ـ صحيحة. وهذا لا يختص بقضية الوضع، بل الأمر سارٍ إلى جميع علوم البشر وكمالاته وما ناله من حضارة وتقدم.
خلق الله الإنسان ومنحه العقل، به يدرك الاُمور ويتّبع أحسنها. وبعبارة اُخرى: للإنسان فضيلتان: فبالعقل يستفيد، وبالمنطق يفيد.
وبهذا لا يكون وجه لاختصاص الوضع بالله تعالى، إلاّ أن يقال: كون رجوع الوضع لله من قبيل رجوع الاستفادة من الكهرباء إليه، وكذا جميع ممارسات الإنسان وأعماله. فذلك صحيح باعتبار رجوع كلّ شيء إلى الله، ولا خصوصية للوضع بهذا الاعتبار، وإذا قلنا بخصوصية للوضع ينبغي بيان وجه الخصوصية كما سعى النائيني لبيان وجهٍ وخصوصية للفظ.
الجهة الثانية: وهي كون الوضع تعيّنياً أو تعيينياً أو كلاهما.
ينبغي القول هنا: جاء الوضع بكلا المعنيين، لكن لا يُعلم كيفية الوضع في البداية، فهل تم الوضع في يومه الأوّل على سبيل التعيين أو التعيّن؟
التاريخ لم يسجّل شيئاً لنا فيما يخص ذلك، لكنه لا يستبعد أن يكون شخص ما استعمل اللفظ لأوّل مرّة فجعل لفظاً ما لمعنًى خاص متداول آنذاك، وبعد ذلك استعمل الناس اللفظ في ذلك المعنى. وهذا يختلف عن عملية الوضع؛ لأنَّ في الوضع التعيّني لم يُستعمل اللفظ في البداية، بل يوضع اللفظ مباشرة في المعنى المراد لأجّل التفهيم. ومن البعيد أن نقول بأنَّ شخصاً ما قام بعملية الوضع، فوضع مجموعة من الألفاظ لمجوعة من المعاني، وأرغم الناس بعد ذلك بمتابعته في قضية الوضع.
إذن، عندنا نحو من الوضع التعييني، ومعناه: استعمال لفظ في معنًى بداعي الوضع.
يرى المرحوم النائيني في (أجود التقريرات) أنَّ الأفراد ليسوا هم الواضعون للألفاظ، بل الباري تعالى هو الذي قام بعملية الوضع، لكن ليس تكويناً كباقي الاُمور التكوينية التي قام بها، من قبيل أنّ الجائع يدرك تكويناً وجبلة جوعه، سواء قيل له بأنك جائع أم لا.
لكن على هذا المبنى ما الفرق بين العالم والجاهل؟
بناءً على هذا المبنى يبدو أنّ وضع الألفاظ يختلف شأناً عن وضع الأحكام الشرعية، فالأحكام الشرعية تُوحى للناس بواسطة الرسول ويبلّغها الرسول للناس. ويختلف كذلك عن الوضع التكويني، بل هو وضع خاصٌّ من خلال إلهام البشر وجعل طبائعهم بشكل يدعوهم لاستخدام كذا لفظ لكذا معنًى.
يستدل المرحوم النائيني على رأيه بدليلين:
الأوّل:
أنّ الألفاظ غير متناهية، فالمعاني كذلك، والألفاظ إذا كانت غير محصورة كانت المعاني كذلك، والبشر لا يمكنه وضع الاُمور اللامتناهية، بل اللامتناهي بإمكانه أن يصدر منه هذا، وهو الله القادر وغير المتناهي.
الثاني: لو كانت الألفاظ من وضع البشر فكيف تمَّ تبليغها الناس جميعاً؟ وإذا قيل: إنَّ تبليغها من قبيل الأذان في الأزمان الماضية، حيث يقوم شخص في بداية السوق مثلاً ويكبر، فيكبرّ الذي في وسطه، ثمّ الذي في آخره ـ فنقول: ننقل الكلام إلى الزمان الأوّل، فيبقى الإشكال دون حلٍّ.
ونحن نقول:
أوّلاً: إنَّ ضعف كلامالنائيني أبين من الأمس وأظهر من الشمس؛ نظراً إلى أنَّ الواضع ليس شخصاً واحداً، ولا أحد يدّعي ذلك، كما لا أحد يدَّعي أنَّ الوضع تعييني. والذين يقولون بأن الإنسان هو الواضع قالوا بأنَّ لكلّ لفظ عشرات من الواضعين، والوضع ليس تعيينياً دائماً، بل قد يكون تعيّنياً. ورغم كثرة الألفاظ وكثرة المعاني إلاّ أنَّ الواضعين ليسوا قليلين، بل كثيرون أيضاً.
وثانياً: هناك وضع تعييني ووضع تعيّني، واستعمال الألفاظ ليس سماعياً دائماً، بل قد يكون قياسياً، ففي الفعل الماضي أربعة عشرة صيغة أو وجه، وكذلك المضارع والجحد وغيره، فهل يمكن القول هنا بأنّ هذه الصيغ سماعية؟ بل هي قياسية، والوضع قليل في القياسية.
نقبل كلام النائيني في أنَّ الألفاظ والمعاني غير محصورة، لكن يرد عليه إشكالات:
أوّلاً
: نحن لا نقبل لازمه بأن الواضع ينبغي أن يكون غير محصور؛ وذلك لإمكان تكثرّ الواضعين وتعددهم، كما أنَّ الوضع لا ينحصر بالتعيين ولا بالسماع، بل أغلب الإفهامات قياسية أو نصفها قياسية على أقل تقدير.
وثانياً: لا نرى حاجة للإلهام، فنحن نفهم قياسات المفاهيم، ووضعها قليل المؤنة.
ثالثاً: لم نَرَ شخصاً استلهم اسم ابنه من الله مباشرة.
رابعاً: كيف يمكن لله أن يُلهم للكفار والمنافقين عندما يريدون تسمية أولادهم؟
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org