Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: معاني الجمل (درس15)
معاني الجمل (درس15)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 15
التاريخ : 2008/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم


للجمل أقسام، فبعضها إخبارية، وبعضها إنشائية، وبعضها مشترك بحسب الاستعمال في الإخبار والإنشاء.
القسم الخاص بالإنشاء هو من قبيل: الأمر، والنهي، والاستفهام. والخاص بالإخبار من قبيل الجمل الاسمية مثل: (زيد قائم) و (جالس) و (قاعد). والجمل التي تستخدم في بابي الإنشاء والإخبار مثل: الفعل الماضي، والمضارع، والجحد.
هذا من حيث الدلالّة، أمّا من حيث الوضع، فللحمل قسمان فقط: الجمل الإنشائية موضوعة لإنشاء الطلب أو الزجر أو الاستفهام أو النهي. أمّا الجمل الإخبارية فموضوعة للحكاية والإخبار عن النسبة، وهي قد تكون بصورة إثبات، وقد تكون بصورة نفي، فمثل (زيد قائم) لحكاية النسبة على سبيل الإثبات، بينما (لم يضرب زيدٌ) على سبيل النفي.
ولك أن تقول: إن الجمل موضوعة لحكاية النسبة إثباتاً دائماً، ولا تدلّ على حكاية النسبة على سبيل السلب أبداً، وما نرى من السلب في الجحد أو في مثل قولك: (زيد ليس بقائم) فهو خاص بالحرف لا بالجملة ولا بالفعل، أو أنّه يرتبط بالأدوات الناقصة، فهو من شأن (ليس) كفعل ناقص وليس من شأن الجملة نفسها، كما أنَّ من شأن (لم) أن تنفي.
ولك أنّ تقول: إنّ الجمل الإنشائية موضوعة لطلب الفعل أو الزجر، أمّا الاستفهام فمن شأن أدوات الاستفهام لا من شأن الجمل نفسها.
وبعبارة اُخرى: الجمل من حيث الوضع تكون موضوعة لإنشاء الطلب، أو لإنشاء الزجر، أو لإنشاء الاستفهام، وباقي الجمل موضوعة لحكاية النسبة على نحو الثبوت والتحقّق، ولم توضع لحكاية النسبة على سبيل السلب؛ لأنَّ السلب خاص بالحروف ومن شأنّه ولا علاقة للفعل بذلك. والأمر في ذلك سهل.
أمّا الجمل التي تستعمل في المقامين ـ الإنشاء والإخبار ـ مثل الفعل الماضي والمضارع، فاستعمالها في الإنشاء يكون على سبيل المجازية.
يقول صاحب (الكفاية): (... فيكون الخبر موضوعاً ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه، والإنشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته وإن اتفقا فيما استعملا فيه).
أي أنَّ كليهما وضعا للنسبة بين الفعل والفاعل مثلاً، وقصد الإخبار والإنشاء من مقدمات الاستعمال وليست من المستعمل فيه ولا من الموضوع له . وقد طرح رأيه بصيغة (لا يبعد).
وفيه ما لا يخفى من كونه خلاف المتبادر في صيغ الأمر قطعاً، فنحن لا نستفيد النسبة فقط من عبارة (اضرِب)، بل العبارة تفيد أن الأمر يريد الضرب كذلك.
الجمل الاسمية والفعلية
إنَّ المتبادر من الجملة الاسمية والإخبارية أو الجملة الفعلية الإخبارية هو الحكاية، وهي وتكون في المستعمل فيه والموضوع له؛ وذلك للتبادر. وكلام صاحب (الكفاية) في أنَّ الحكاية والإخبار ليست في المستعمل فيه ولا الموضوع له يُعدُّ خلاف التبادر، فإنَّ المتبادر في الذهن من الأمر هو إنشاء الطلب، والمتبادر في مثل (زيد قائم) و (ضرب زيد) و (نصر عمروٌ) هو الحكاية والإخبار لا النسبة فقط. هذا، مع أنّا نستفيد الحكاية من النسبة كذلك. والأمر سهل؛ لأنَّ الباب باب التبادر والادعاء، ونحن ندعي أنّ المتبادر من الجمل الخبرية هو الحكاية والإخبار، والمتبادر من الجمل الإنشائية هو الإنشاء، بينما يدّعي صاحب (الكفاية) أن المتبادر من هذه الجمل هو النسبة.
إذن ليبقى كلّ على وجدانه وتبادره.
أسماء الإشارة والضمائر والموصولات
أسماء الإشارة والضمائر والموصولات كلّها موضوعة ومستعملة في الإشارة، كإشارة الأخرس بإصبعه، لكنّ أقسام المشار إليه مختلفة، فيُشار إلى الحاضر باسم الإشارة بدون مخاطبة، والتي يُخاطب فيها هي الضمائر، مثل ضمائر المخاطب والمتكلم من قبيل (أنت تقول كذا)، وبضمير الغائب يُشار إلى الغائب، وفي الموصولات يُشار إلى أمر مبهم.
والمهم أنَّ جميعها للإشارة رغم الاختلاف بينها، والاختلاف إنّما هو في المشار إليه بالحضور والغياب، فأسماء الإشارة من هذه الحيثية ذات معان اندكاكية؛ لأنّ الإشارة الحقيقية والواقعية مندكّة في المشير والمشار إليه، فمدلول (هذا) ـ وهو الإشارة ـ بمثابة الربط والنسبة المتوقفة على الطرفين من قبيل المشير والمشار إليه، فإذا لم يكن المشير لم تكن الإشارة، وكذلك إذا لم يكن المشار إليه.
وبناءً على هذا تكون أسماء الإشارة والموصولات والضمائر حروفاً؛ لأنَّ معانيها اندكاكية غير استقلالية.
وبذلك يظهر ما بدر من صاحب (الألفية) من تسامح في كلامه، حيث قال: بذا لمفرد مذكر أشِر.
فهو يريد القول بأنَّ (ذا) للإشارة إلى المفرد المذكّر، (ذا) بنفسها لا تعني المفرد المذكر، بل يُشار إليه بها، وإلاّ كان لـ (ذا) معنًى اسمي، بينما قلنا بأنَّ معانيها اسمية.
لقائل أن يقول: يبدو بطلان الكلام السابق في أنَّ اسم الإشارة ذو معنًى حرفي واندكاكي من وقوعها مبتدأ وخبراً، مثل: (هذا قائم)، و (هذا عصفور)، و (هذا ديك). ولذلك ينبغي القول بأنّها لم توضع للإشارة إلى المفرد المذكر أو المفرد الغائب، بل لنفس المفرد الذكر ولنفس المفرد الغائب ، أي أنها موضوعة لمعانٍ اسمية.
الجواب واضح، والإشكال غير تام؛ فإنَّ الإخبار عنها ليس إخباراً عن نفسها، بل عن لوازم معانيها، فهي بذاتها ليست مبتدأً بل باعتبار لازم معناها، فالإخبار عن (هذا) ليس إخباراً عنها مباشرة، بل إخباراً عن المفرد المذكر الموجود والمشار إليه بـ (هذا)، وذلك بمثابة (زيد قائم).
وبعبارة مختصرة: إذا أشرنا إلى مفرد مذكر فلابدّ من وجوده، ولذلك كان الإخبار عنه، ولا مانع من ذلك؛ لأنّ الخطأ هو الإخبار عن المعنى الحرفي مباشرة، والإخبار هنا عن لازم المعنى الحرفي لا نفسه.
تنبيه
يظهر للمتتبع في كلمات القوم أنَّ الرائج عندهم كون المعاني الحرفية مغفولاً عنها وغير قابلة للتقييد بالزمان والمكان والقيود الاُخرى، وبناءً على هذا أنكر بعض كبار العلماء الواجب المشروط والمفهوم في القضية الشرطية.
المرحوم الشيخ الأنصاري من الذين رفضوا الواجب المشروط وقال بعدم إمكانية تقييد الوجوب؛ لأنّ الوجوب مدلول للهيئة، وهي من المعاني الحرفية وبمثابة نسبة الفعل إلى الفاعل.
لا يمكن للمولى أن يقول: (أقم الصلاة إن غربت الشمس)، نظراً إلى كون غروب الشمس لا يمكنه أن يكون قيداً للوجوب، وعلينا إرجاع القيد إلى المادة، ومن خلال ذلك يمكننا تقييد الصلاة. وذلك هو الواجب المشروط برأينا.
كما أنكر الشيخ مفهوم الشرط، ونجد هذا الرأي في كلمات الشيخ الآخوند كذلك، ففي مثال: (إن جاءك زيد فأكرمه) أنكر المفهوم؛ لكون وجود المفهوم فرع كون القيد قيداً للهيئة، أي تقييد الوجوب في الحقيقة أو تقييد الإكرام بمجيء زيد، وإذا لم يجئ فلا وجوب للإكرام؛ لأنَّ الوجوب مدلول للهيئة وهي ذات معنًى حرفي، لذلك لا يمكن تقييدها.

وفيه من الإيرادات ما يلي:

أولاً: أنَّ المعاني الحرفية ليست بمغفولٍ عنها، بل هي المقصودة بالقصد الأصيل، وعليها تدور رحى المكالمات والمقاصد والضمائر، لأجّل كون الإنسان يسعى دائماً لفهم روابط المفردات، وذلك مراد غالب البشر إذا لم نقل: كلهم، فالإنسان يسعى لأنْ يفهم العلاقة بين زيد والقيام والوارث والمورَّث، والنسبة في كونها مثلاً الربع أو النصف أو الثمن، ويسعى لفهم حدّ شارب المسكر والقصاص وغير ذلك من الاُمور، بل الحياة كلّها قائمة على أساسٍ من هذه الروابط والصلات.
الكلام كلّه نسب وروابط، وحتى في تفهيم المفردات وترجمة الكلام ونقله إلى اللغات الاُخرى، والمقام الوحيد الذي يخلو من الروابط والنسب هو حالة ترديد الإنسان للألفاظ بهدف الممارسة وتمرين اللسان، أما غالب المكالمات فغير مغفول عنها.
ثانياً: قولهم بأنّ المعاني الحرفية لا يمكن تقييدها ولا الإخبار عنها، وكون شأنها ليس كشأن المعاني الاسمية الملحوظة بلحاظ استقلالي.

ونحن نُرجع هؤلاء إلى الوجدان، والأمثلة التالية ترجع قيودها إلى النسبة والربط لا الأفراد أو المعاني الاسمية:

قولك: (ضُرب زيدٌ في بيت عمرو) أو (يوم الجمعة) يكون (بيت عمرو) و (الجمعة) قيوداً لكيفية النسبة وبياناً لها، فالنسبة تحققت يوم الجمعة أو في بيت عمرو، فالكلام هنا لا يحكي عن الأفراد، بل عن النسبة والربط بين الفعل والفاعل.
إذنّ، يمكن تقييد المعاني الحرفية مثل الهيئة والفعل، كما أنّها ليست معاني مغفولاً عنها.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org